عن التعليم في اليمن: ليس كل المعلّمين الأَبْلة هناء محمد المبنّن

لقد انتظرتُ طيلة أثنتا عشرة عام دراسي مُعلّماً يضعُ جدولَ الضرب أو القسمة أو أي مادة تنافسية معياراً يوزع بموجبه طلابَ الفصل بالترتيب: المقعد الأول للطالب الأول. والمقعد الثاني للثاني. والثالث ثالث..
وهكذا..
انتظرتُ الأبلة هناء في المدرسة فلم تأت.
انتظرتُ الأستاذة هناء في الجامعة فلم تأت أيضاً.
انتظرتُ الأستاذة هناء في كرسي الوظيفة فلم تأت أيضاً.

1407441869969

 هذه إذن هي مأساة دول العالم الثالث:
إن الطالبُ الأول لا يجلسُ وهو المُستحق على الكرسي الأول: لا في المدرسة ولا في الجامعة ولا في قائمة البعثات الدراسية.وان الموظّف الأول لا يُعيّن في الكُرسي الأول. والقائد العسكري الأول لا يُعيّن في الكُرسي الأول. وعلى هذا فقِسْ حتى كُرسي الرئاسة.


كنتُ أجلس فِي الصف الأول الابتدائي بالمقعد الأمامي أمام السبورة مباشرة. لا لأني بسطت على الكرسي أولاً، كما يفعلُ طلاب المدارس الحكومية مطلع كل عام دراسي،وليس حتى لأن والدي وهو الأميّ موجّه فِي وزارة التربية والتعليم فاستغل نفوذه. كان الأمر قائما على التنافس بين جميع طلاب الفصل. هذه المرة وحسب.

 قالت المُعلّمة الفاضلة (هناء محمد المبنّن) مُعلمتنا فِي الصف الأول الابتدائي بمدرسة خالد بن الوليد فِي أول يومٍ دراسي: “إن توزيع الطلاب على المقاعد سيكونُ بناءً على قوّة حفظهم لجدول الضرب. بحيث أن الأول في حفظ الجدول يجلس في الكُرسي الأول.. والثاني في الحفظ يجلس في الكُرسي الثاني.. والثالث يجلس في الكُرسي الثالث.. وهكذا بعدلٍ ومساواةٍ وتنافس حتى آخر الفصل.

1851_390576
انترنت

طريقة في منتهى الذكاء والعدل لحبّ جدول الضرب ونحته في الذاكرة. ولخلق مناخ تنافسي خلاق بين الطلاب للفوز بالمقعد الأول. وقد كنتُ أحدهم. وانقضى عامي الدراسي الأول كأجمل ما بقي في الذاكرة. لا أذكر من جميع من درسوني طوال اثني عشرة سنة اسم معلم أو معلمة كما أتذكر الأبله هناء.
فِي السنة التالية (ثاني ابتدائي) ذهبتُ إلى المدرسة بنفسيّة متفائلة وواثقة. نفسية من يحبّ القراءة والكتابة والواجبات المدرسية ويؤمن بالمثابرة وأن من جد وجد ومن حفظ جدول الضرب جلس في المقعد الأول. دخلتُ إلى الفصل لم أركض مثل بقية الطلاب لأحجزَ مقعداً أمام السبورة. كنتُ واثقاً من أنني سوف أُجلَسُ في المقدمة لأنني أحفظ جدول الضرب جيداً. لذلك ذهبتُ مطمئناً إلى مؤخرة الفصل فِي انتظار دخول المُعلّمة هناء المبنن

لكنها لم تدخل!
لم تدخل هي. ولم أجلس أنا.
وكأن العام الدراسي مر عليّ كله واقفاً.
قلتُ ستأتي في الصفّ الثالث لتدرّسنا. لكنها لم تأت لا في الصف الثالث ولا الرابع ولا.. ومرت الأعوام حتى آخر سنة دراسية الصف الثالث ثانوي!

وأنا على ما أنا عليه الآن:
واقفاً في آخر الفصل طوال العام.
لا بل جالساً في مقعد أستحق أفضل منه!

لقد انتظرتُ طيلة أثنتا عشرة عام دراسي مُعلّماً يضعُ جدولَ الضرب أو القسمة أو أي مادة تنافسية بين الطلاب معياراً يوزع على أساسه طلابَ فصله هكذا: الكُرسي الأول للطالب الأول. والكرسي الثاني للثاني. والثالث ثالث..
وهكذا..
انتظرتُ الأبلة هناء في المدرسة فلم تأت.
انتظرتُ الأستاذة هناء في الجامعة فلم تأت أيضاً.
انتظرتُ الأستاذة هناء في كرسي الوظيفة فلم تأت أيضاً.
هذه إذن هي مأساة دول العالم الثالث:
إن الطالبُ الأول لا يجلسُ وهو المُستحق على الكرسي الأول:لا في المدرسة ولا في الجامعة ولا في قائمة البعثات الدراسية.وان الموظّف الأول لا يُعيّن في الكُرسي الأول. والقائد العسكري الأول لا يُعيّن في الكُرسي الأول. وعلى هذا فقِسْ حتى كُرسي الرئاسة.
__________________________________________
باقة ورد وتهنئة لأوائل الجمهورية ومتفوقيها
هذه لحظة مجيدة في عمر أي مجتمع وشعب.
احببت معها مشاركتكم هذا المقال

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.