هل قرر المجتمع الدولي تهدئة سوريا، ونقل فرانكشتاين “داعش” إلى اليمن؟

محمد عبده العبسي

مذيعة برنامج العربية “الحدث” تقول إن المواجهات المسلحة في مدينة إب بين مسلحي داعش ومسلحي الحوثي!
ربما هو خطأ غير مقصود، لكن الأكيد أن تغطية العربية ليست نزيهة بالمرة. توحي لي أحياناً، وقد أكون مخطئاً، أنها تسعى إلى إثارة النزعة المذهبية، واستفزاز القاعدة العريضة من الإيديولوجيين في الوطن العربي تحضيراً لعملية تحشيد إقليمي لمقاومة الحوثيين وتحويل الصراع في اليمن إلى صراع طائفي دموي خالص. صراع لا تحكمه قوانين وقواعد الحروب النظامية، ولا تجدي معه نفعاً لجان الوساطة، ولا التسوية السياسية، ويكون مزيجاً من النسختين العراقية والسورية وطرفاه الأساسيان: داعش والقاعدة وقوى أخرى كطرف والحوثيين وحلفائهم كطرف آخر.
والسؤال البديهي: هل قرر المجتمع الدولي والسعودية وإيران وقف، أو تهدئة، الحرب الطاحنة في سوريا ونقلها إلى اليمن، بما يضمن التخلص من بعض أو كل مقاتلي داعش والجماعات الأخرى، وذلك الوحش “فرانكشتاين” الذي تم تخليقه في أجهزة مخابرات وأقبية السجون ويسهل إيجاده في أي بيئة فقر واضطهاد، وبالتالي الاستفادة من خدماته المتعددة والمميتة في اليمن؟
الأمر بسيط ولا يحتاج مخططات معقدة:
الحوثي يتقدم من محافظة إلى أخرى مدفوعا، بهوارته وتعطشه إلى الدماء والسيطرة، ورغبته في نهب سلاح المعسكرات. وكل ما على شُرطي المجتمع الدولي في اليمن الرئيس عبدربه منصور هادي هو عدم القيام بشيء وعدم مقاومة الزحف الحوثي وتحييد الجيش أو صدور أية ردة فعل رسمية من الدولة.

deniro-frankenstein
روبروت دي نيرو في فيلم الوحش فرانكشتاين الذي ألهم العراقي أحمد سعداوي روايته الملهمة

وكما هو متوقع اللعبة راقتعبدالملك الحوثي.
“ارسل عشرة من شاصات الله وسوف تسقط مدينة إب”.
واللعبة أيضاً أعجبت مفكريه ومطبليه، يكتبون: “عشرة حوثة بايحموا الكهرباء”
ويقول المثل الشعبي إن العاشق الكذاب يفرح بالتهمة. وإن “السمعة نصف القتال”. وهذا حال الحوثي: فقناة العربية الحدث في ذات الحلقة قالت ضمن تقرير (كروما) إن الحوثيين أسقطوا ضمن ما أسقطوه ميناء الحديدة ومطارها في حين نفى أمس مديرا المطار والميناء رسمياً ذلك. جاءت “شاصات الله”لعرض خدماتها في الحماية وقلنا لها شكراً فغادروا” لكن الناس ما زالت تعتقد أن الحوثي أسقط الحديدة فعلا.
والحوثي لا ينفي التهمة بل يتباهى بها لأن ذلك يمنحه المزيد من المريدين والأتباع الجدد والانتهازيين. خاصة في مجتمع يحترم القوي ويمجّده (قلة العقل هذه تتجلى في بعض منشورات ناشطيه ومتحدثيه).
وهنا تكمن المشكلة. ذلك أن كاميرات العربية، وعديد من القنوات ووسائل الإعلام، نقلت صورة وصول مسلحي الحوثيين إلى ميناء الحديدة لكنها لم تصور مغادرتهم إما لأن ذلك فاتها عفويا، وإما لأنها لا تريد ذلك لكون تضخيم الزحف الحوثي يخدم فكرة أسمى وهي تزايد سخط المتدينيين والسلفيين في الوطن العربي، وتضخيم الخطر الحوثي حتى تأتي اللحظة التي تتنادى فيها المنابر لمواجهة “الرافضي” الذي أسقط صنعاء والمدن اليمنية.
الجهاد.. الجهاد إلى اليمن.
وأجهزة المخابرات عليها قطع الجوازات.

10647110_601153143346664_4720521070348819748_n
كاريكاتور معبر للفنان رشاد السامعي

والحوثي يقوم بكل ما من شأنه التعجيل بهذا السيناريو. تتوسع النزاعات المسلحة بين الحوثيين وقبائل في إب، وبينهم وبين القاعدة في رداع. مناوشات واستيلاء على موقع عسكري في تخوم صنعاء. فرض نقاط تفتيش في بعض مداخل محافظة ذمار مما دفع بالمحافظ إلى الاستقالة والاعتكاف في منزله. وبطبيعة الحال، ستقوم القنوات العربية والعالمية بعملها وتنقل تلك الأخبار بروايات متعددة.
يوماً بعد آخر، سترتفع الأصوات المناطقية والمذهبية الساخطة والداعية إلى مواجهة المد الصفوي والفارسي في اليمن خاصة في ظل تواطئ الدولة وتخليها عن واجباتها. عندها يأتي دور “فاعلي الخير” من القوى المستفيدة من حالة الاحتراب الدائمة في المنطقة وتسهل عمليات نقل المجاهدين إلى اليمن، وما أسلها في ظل ضعف الدولة و2300 كم بحراً، تحت شعار “نصرة إخواننا السنة”.
هذه ليست نظرية مؤامرة ولم أكن أبداً ممن يتحمسون لهذا النمط من التفكير والاستنتاج. لكن كل المؤشرات والمعطيات تدفعنا بهذا الاتجاه الجحيمي ما لم يتفطن اليمنيون وتتحلى النخب السياسة بالمسئولية وتتصرف برجولة وشجاعة والتعويل عليها، ذلك أن الدولة فتحت “ساقيها” من دون تمنع، وعبدالملك الحوثي مصمم على جر البلد إلى حرب أهلية، من خلال ممارسات وجرائم مليشياته العقائدية، والجولة المكوكية الماجلانية التي يقومون بها في ربوع اليمن من خلال “شاصات الله”. وقد أثبتت الأحداث الدامية خلال العامين الفائتين أنه على استعداد لأن يضحي بمئة مقاتل في سبيل طباعة، أو نصب، شعارهم على جدار في قرية نائية من عزلة خارج الحضارة وبالكاد تصل إليها السيارة. حتى لو كلف ذلك إزهاق أرواح المئات، لا يهم. هم شهداء. هذا بات واضحا وجليا.

حتى الأصوات العقلانية، وما أقلها، من داخل الجماعة نفسها لم تعد مسموعة. فالرجل مصمم على مواصلة مسيرة الموت والحرب. ولا أدري هل هي حماسة من لا يدرك مآل أفعاله أم أنه مجرد بيدق في يد طرف إقليمي يريد إنهاء الحرب في سورياأو تهدئتها على أقل تقدير!
السؤال الأزلي: ما الحل؟
بالنسبة لنا نحن المدنيون، اللامنتمون لأحد ولا لحزب ولا لقوى أو جماعة، الحل مواجهة الحوثي وطنياً وليس بمليشيات طائفية وليس بالقاعدة ولا داعش وإخوتها. ما يضركم إن استولى على تبة أو قرية أو مدينة. مسألة وقت ويكشف الناس سلوكهم وجرائمهم. وقد بدأ ذلك في العاصمة أسرع مما توقعنا بكثير. وفي الوقت نفسه علينا العمل جميعا على استعادة الدولة المختطفة وقرارها أولاً، والضغط على القوى السياسية والحزبية لتحمل مسئوليتها وما هو موقفها مما يحدث وما الذي ستفعله؟ حتى الآن كلهم يتوارون خلف الصمت واللاموقف ويحتمون به.
الحوثي لا يواجه إلا بدولة. كل مسئول في الدولة أياً كان موقعه سواء محافظين أو قادة أمن وألوية ومعسكرات أو مدنيين: إما أن تقوموا بواجباتكم وتتصدوا للحوثيين وإما إن تقدموا استقالاتكم، وتكشفوا لليمنيين والعالم تواطؤ الرئيس ووزير الدفاع.
من يعتقد أن القاعدة أو داعش هي ما يخشاه الحوثي، وهي أفضل من يواجهه هو إما أحمق وإما لعين. ذلك أنه ما من شيء يتمناه الحوثي أكثر من وجود “داعش” من أجل إيجاد مبرر أخلاقي لسلاحه وممارساته وتقدم مسيرته في إسقاط الدولة والبلد.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.