تقرير للشرق أوسط اللندنية: خالد بحاح رجل نفط يبحث عن معجزة

من جانبه، يرى الكاتب والمحلل محمد عبده العبسي أن البلاد تعيش «فترة عصيبة»، سيكون رئيس الوزراء الجديد وحكومته عاجزين عن مواجهتها. ويضيف العبسي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «حتى (سوبر مان) قد يجد نفسه عاجزا عن تقديم حل في ظل منطق القوة والسلاح وسيطرة الحوثيين على العديد من المدن والمحافظات بالقوة بديلا للدولة»، ويتساءل: «هل سيسمح الحوثيون لرئيس الوزراء بالعمل بحرية واستقلالية دون إملاءات من المركز؟ وهل سيسحب الحوثيون ميليشياتهم من المدن ويلتزمون باتفاق السلم والشراكة الذي كانوا هم أنفسهم أول من خرقه؟»، ليجيب قائلا: «لا أظن أن ذلك سيحدث، لكني آمل أن أكون مخطئا».

الشرق

خبرته الحكومية وعلاقاته الخارجية أساس صلب لتشكيل فريق يعمل على إعادة هيبة الدولة اليمنية

كان متفائلا بشروق شمس الأمل على بلاده، مبررا هذا التفاؤل بما وصفه بانتصار الشعب عام 2011 على الاستبداد الذي كان جاثما لعقود طويلة على اليمن. هكذا كانت رؤية المهندس خالد بحاح التي نشرها في إحدى مقالاته عام 2012، لكن الأحداث التي شهدتها البلاد خلال أقل من شهرين من عام 2014، ربما حجبت شروق هذه الشمس لسنوات مقبلة.

تركة ثقيلة لن يكون بمقدور رجل النفط خالد بحاح، وعمره 49 سنة، تحمل مسؤوليتها وحده، بعد تعيينه رئيسا لحكومة تحتاج إلى معجزات لترميم الدولة التي أصبحت على حافة الهاوية بسبب عنف الجماعات المسلحة، فمنذ 21 سبتمبر (أيلول) الماضي تغيرت الخارطة السياسية والعسكرية للبلاد بعد موجة عنف قادها المتمردون الحوثيون الذين تحالفوا مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح للسيطرة على العاصمة صنعاء وأكثر من 7 مدن في الشمال.

تكمن مشكلات اليمن طوال العقود الماضية في النظام، الذي كان قائما على تقسيم البلد وفق لعبة سياسية، كما يقول بحاح، ويضيف في مقال نشره بمجلة كندية عام 2012، بعنوان «شروق الشمس على اليمن»: «إن اليمن لم ينعم بالديمقراطية الحقيقية تحت حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ذلك السياسي المراوغ، الذي خلق سلطة منيعة مبنية على محاباته لأقاربه، وعلى مدى 33 عاما عمل نظامه الجائر على استغلال موارد اليمن وشعبه».

ويحدد بحاح الحل لمشكلات اليمن في «تأسيس حكم رشيد خلال المرحلة الانتقالية، الذي هو مفتاح الوصول إلى تحول سياسي عميق، فالانتقال للاستقرار والوحدة يتطلب اندماجا هيكليا عادلا ومرنا ومتجاوبا، وتداولا للسلطة في إطار من التعاون بين المناطق»، معتبرا أن «اليمن في طور التنمية، وانتصاره على الاستبداد أشاع روحا من التفاؤل لم تكن موجودة لعقود طويلة، فيما أمامه الكثير من العمل، إلا أن ينابيع الأمل تلوح في الأفق، وشمسا رائعة جديدة على وشك الشروق على اليمن».

تنتظر بحاح ملفات كبيرة ومعقدة تتشابك فيما بينها، ولن يكون بمقدوره وحده إغلاقها إلا بعصا سحرية تعيد للدولة هيبتها التي فقدتها بسبب الجماعات المسلحة، إضافة إلى الوضع الاقتصادي المنهار، الذي يصعب إنعاشه في بلد فقير وقليل الموارد، يبلغ نصيب الفرد فيه من إجمالي الناتج المحلى 1.12 دولار أميركي، ومعدل النمو 3.4 في المائة.

* توافق عسير

* مر اختيار خالد بحاح بمراحل عسيرة بين الأطراف السياسية؛ إذ تم استبعاد اسمه من قائمة الترشيحات في بداية الأمر. وبعد أن اختار الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي فقد شعبيته بعد الأحداث الأخيرة في اليمن، مدير مكتبه أحمد بن مبارك لمنصب رئيس الحكومة، نجح الحوثيون في إجباره على التراجع، لتبدأ مرحلة جديدة من المشاورات بين مستشاري هادي الذين خولهم اتفاق السلم والشراكة تحديد شخصية مستقلة في هذا المنصب، وبعد 22 يوما من توقيع اتفاق السلم بين السلطات اليمنية والحوثيين، أعيد طرح اسم خالد بحاح مرة أخرى واتفقت جميع الأطراف السياسية والحوثيين، على اختياره، فتم استدعاؤه من نيويورك حيث كان يشغل هناك منصب مندوب اليمن لدى الأمم المتحدة.

ويوصف بحاح، الذي ينتمي إلى محافظة حضرموت جنوب شرقي البلاد، بأنه رجل النفط؛ إذ عقب حصلوه على ماجستير من جامعة بونا الهندية في إدارة الأعمال والبنوك والمال، عام 1992، عمل في شركة «نكسن» الكندية للبترول، وتدرج في عدة وظائف بها. وبعد ذلك تولى 3 مرات حقيبة النفط في حكومات متعاقبة بين عامي 2006 و2014، وهي حكومة عبد القادر باجمال، وحكومة علي مجور، وبعد رحيل صالح تولى الوزارة في حكومة محمد سالم باسندوة، وبعد مرور شهرين أقاله هادي ضمن 5 وزراء في يونيو (حزيران) الماضي، ليتم تعيينه بعدها مندوبا لليمن لدى الأمم المتحدة، حتى اختياره رئيسا للحكومة الجديدة.

* هادي وباسندوة

* لم تكن علاقة الرئيس الانتقالي هادي مع رئيس حكومة الوفاق محمد سالم باسندوة على ما يرام، رغم أن الاثنين ينتميان للجنوب، فقد اتهم باسندوة هادي بالانفراد بالحكم وسحب صلاحيات حكومته التي تشكلت وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، إضافة إلى أن قرار رفع الدعم عن الوقود كان بمثابة فخ لباسندوة وحكومته، وقد نجح الحوثيون في الاستفادة من ذلك لتبرير حركتهم المسلحة لإسقاط الحكومة والسيطرة على المدن، كما يقول المراقبون.

كان الرئيس هادي بحسب باسندوة يستحوذ على سلطات الحكومة تدريجيا، بحسب خطاب الاستقالة الذي وجهه للشعب وليس لهادي. وأوضح باسندوة الذي يتهمه خصومه بأنه كان يدار من قبل أطراف سياسية خارج الحكومة، أن هادي تجاوز مبدأ الشراكة الذي نصت عليه المبادرة الخليجية، لقيادة الدولة بينه وبين هادي، واتهم الأخير بالتفرد بالسلطة، وقال باسندوة: «أصبحنا لا نعلم شيئا، لا عن الأوضاع العسكرية والأمنية، ولا عن علاقات بلادنا مع الدول الأخرى». وأضاف: «قاطعت مؤتمر الحوار لأننا لم نشارك في التحضير له والإعداد كما نصت على ذلك المبادرة، وقد استمر هذا التجاهل حتى وصلت الأوضاع إلى ما وصلت إليه اليوم».

* مهمة مستحيلة

* بعد 10 أيام من قرار تعيينه رئيسا للحكومة، هبطت طائرة خالد بحاح على مدرج مطار صنعاء آتية من نيويورك، وتضمن أول حديث صحافي له منذ تعيينه، دعوته إلى تكاتف جميع الأطراف السياسية للوصول بالوطن إلى غاياته المنشودة من الأمن والأمان والرقي. وقال: «إن المرحلة التي يمر بها اليمن تتطلب من جميع الأطراف السياسية العمل والتراص فريقا واحدا لإنجاز ما تبقى من المرحلة الانتقالية السياسية بموجب مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية المزمنة، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، واتفاقية السلم والشراكة الوطنية التي رعتها الأمم المتحدة»، موضحا أنه سيعمل على اختيار فريق وزاري متكامل وفق معايير الكفاءة والنزاهة، لقيادة المرحلة المقبلة التي هي أهم من كتابة دستور اليمن الاتحادي الجديد والاستفتاء عليه والانتقال إلى مرحلة الانتخابات العامة. ويعتبر المحلل السياسي علي سيف حسن أن التحدي الحقيقي أمام بحاح هو في تشكيل الحكومة، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الخارطة السياسية الجديدة لم تستقر بعد، وما زالت رؤية الأطراف لبعضها ولنفسها ما بين المبالغة في حجم وتأثير ما يحدث على الأرض، والتقليل منه، وهو ما يجعل من التوافق على توزيع الحقائب الوزارية بين الأطراف عملية صعبة ومرهقة وقد تأخذ وقتا أطول بكثير مما هو متوقع».

من جانبه، يرى الكاتب والمحلل محمد عبده العبسي أن البلاد تعيش «فترة عصيبة»، سيكون رئيس الوزراء الجديد وحكومته عاجزين عن مواجهتها. ويضيف العبسي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «حتى (سوبر مان) قد يجد نفسه عاجزا عن تقديم حل في ظل منطق القوة والسلاح وسيطرة الحوثيين على العديد من المدن والمحافظات بالقوة بديلا للدولة»، ويتساءل: «هل سيسمح الحوثيون لرئيس الوزراء بالعمل بحرية واستقلالية دون إملاءات من المركز؟ وهل سيسحب الحوثيون ميليشياتهم من المدن ويلتزمون باتفاق السلم والشراكة الذي كانوا هم أنفسهم أول من خرقه؟»، ليجيب قائلا: «لا أظن أن ذلك سيحدث، لكني آمل أن أكون مخطئا».

* واقع معقد

* لقد فرض المتمردون الشيعة القادمون من محافظة صعدة واقعا جديدا في اليمن، وتمكنوا من استغلال ضعف الدولة وشراء الولاءات داخل الجيش والأمن الذي تحول إلى «مؤسسة محايدة» في وجه ميليشياتهم المسلحة التي اقتحمت العاصمة صنعاء و7 مدن بالشمال. وتفيد التقارير أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي جند أتباعه وجنود ما كان يسمى «الحرس الجمهوري» الذي كان يقوده نجله السفير لدى دولة الإمارات أحمد علي، ساعدهم في ذلك، ضمن الميليشيات التي تحارب تحت راية الحوثيين، كما يقول خصومهم. وهذا الواقع الذي من أبرز سماته انهيار مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية يجعل من المستحيل على حكومة بحاح أو أي حكومة أخرى معالجته على مدى سنوات مقبلة.

ويقول أستاذ إدارة الأزمات في جامعة الحديدة نبيل الشرجبي لـ«لشرق الأوسط»: «ما حدث في يوم 21 سبتمبر (أيلول) سيطبع الحياة السياسية اليمنية لفترة طويلة، وسيجعل من سلوك العنف لتحقيق أهداف أي طرف، سلوكا دائما»، وأضاف: «كان اليمن قاب قوسين من الخروج من مرحلة مهمة في تاريخه، إلى مرحلة مقبلة كان يتم التحضير والترتيبات لها، لكن الأحداث المتسارعة للحوثيين واستخدامهم العنف لتحقيق أهدافهم، أعاد عجلة التاريخ إلى الوراء وأعاد خلط الأوراق على الساحة اليمنية».

ويعد الشرجبي اتفاق الشراكة والسلم من أهم «العقبات التي قد تكون معرقلة لتطبيع الحياة السياسية اليمنية بشكل سريع، لما احتواه من بنود ونصوص تجعل من عملية تنفيذ كل خطوة فيه مهمة صعبة وتحتاج إلى خطوات أخرى تستند إلى التوافق الذي يبدو بعيد المنال عن الأطراف السياسية». ويستدرك الشرجبي قائلا: «لكن الاتفاق على بحاح من قبل الأطراف السياسية خطوة متقدمة إلى الأمام، وقد عُرف عن بحاح علاقته بالمنظمات والهيئات الخارجية، ولديه خبرة كبيرة، مما قد يشكل فرصة نجاح له أكبر من غيره في هذه الفترة». ويتابع: «يمتلك المهندس بحاح القدرة على الحركة والعمل بشكل واسع، وهو مؤهل لكسب ثقة العالم من خلال خبرته في شركات النفط وعمله في الأمم المتحدة، وربما يكون ذلك عاملا مساعدا له في تحقيق بعض النجاحات». ويشير إلى أن «مشكلات اليمن من الكبر ومن التعقيد والترابط بالقدر الذي قد يصعب على أي شخصية لوحده حلها. إذا لم يكن معه فريق عمل متجانس للعمل في الحكومة فسيصعب تحقيق أي نجاحات بشكل سريع وواضح». وشدد على أن «الواقع اليمني لا يزال يشهد مزيدا من الصراعات المختلفة سياسيا واقتصاديا وعسكريا وطائفيا ومذهبيا، وهذه الصراعات ستنعكس سلبا على أعمال وأداء الحكومة، خاصة أن كل طرف سيكون لديه ممثلون داخل الحكومة».

واستبعد أستاذ إدارة الأزمات التوصل إلى مصالحة بين الأطراف السياسية، التي يرى أنها لا تزال بعيدة المنال، قائلا: «ربما يصعب الحصول على أي مصالحة أو تبادل ثقة بين هذه الأطراف». وتابع: «الحوثيون أصبح بيدهم تقرير كثير من المسائل مع حليفهم من وراء الستار حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يشترك معهم في كل ما يحصل، وهو ما يزيد من صعوبة عدم حصول المصالحة». ويؤكد الشرجبي أن أي «جماعة تأتي من خارج التشكيل السياسي، يتسم عملها بالعنف، ودائما ما تلجأ إلى تحقيق أهدافها بالوسائل العنيفة التي تكلف خسائر كبيرة. بالمقابل فإن أي جماعات تأتي من داخل الإطار السياسي، تكون أفعالها مقبولة ومن السهل التفاهم معها».

ويختتم الشرجبي كلامه بالقول إن «الدولة والحكومة لم تعد أداة لضبط الصراع بقدر ما أصبحت إحدى أدوات الصراع، وكل طرف سيعمل خلال هذه الفترة على أن يمد نفوذه والاستحواذ على كثير من المنافع والمناصب، في هذا الظرف المزري، مما يشكل أهم عقبة أمام خالد بحاح»، مشددا على أن المصالحة السياسية هي ما ينبغي على حكومة بحاح العمل في إطاره، باعتبار أن «التوافق السياسي هو الطريق إلى إصلاح المسار الأمني والاقتصادي، فالملف السياسي يتطلب توافقا وتصالحا بين الأطراف جميعها، وإلا فإن الملفات ستستمر بالتعقيدات السابقة نفسها».

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.