بين يناير 2011م ويناير 2015م: اختلفت الوجوه والقمع واحد

محمد العبسي

بين يناير 2011 ويناير 2015م أكثر من قاسم مشترك غير برودة الطقس: احتجاجات يومية لطلاب جامعة صنعاء تقمع بشدة، ويتعرّض المحتجّين للضرب والاعتداء والخطف من قبل مجاميع مسلحة غير نظامية. وإذا كانت الثورة التونسية ألهمت الشباب اليمني في 2011م فإنها في نسخة 2015م تفجرت بدوافع محلية خالصة: إسقاط دار الرئاسة واقتحام منزل الرئيس وخطف مدير مكتبه، وإجبار الرئيس والحكومة على الاستقالة، بعد أربعة أشهر من الاحتقان الشعبي والمظاهرات غير المنتظمة المطالبة بانسحاب مليشيات الحوثي من العاصمة صنعاء التي أسقطت عسكرياً في سبتمبر 2014م.

ما الذي تغير خلال أربعة سنوات؟

لا شيء عدا هويّة المعتدين وانتماءاتهم وولاءهم، والسلوك نفسه. فما كان سلوكاً شاذاً يقوم به “بلطجية” غير منضبطين موالين لنظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح في 2011م، ورثته اللجان الشعبية التابعة لجماعة الحوثي (أنصار الله) في 2015م.

snaa1
أنصار صالح يميناً والحوثي يساراً

وما كانت جرائم خارجة عن السيطرة، في يناير 2011م يتنصّل منها النظام السابق في وسائل الإعلام ويشجّعها في الغرف المغلقة، تتكرر الآن في يناير 2015م في نسخة أكثر شناعة وقبحاً من جماعة لطالما رفعت شعار المظلومية تجسد بامتياز دور الضحية إذ يتحول إلى جلاد. في الحالتين كانت الانتهاكات تُنسب إلى أهالي حيّ الجامعة باعتبارهم متضررون من الاحتجاجات بسبب نصب الخيام أمام منازلهم.

في يناير 2011م تعرضت الناشطة والصحفية سامية الأغبري للضرب والاعتداء من موالين للرئيس السابق، وسط الشارع العام في مجتمع محافظ يستفزّ من اعتداء رجل على امرأة. وفي يناير 2015م تعرضت الناشطتان الاشتراكيتان كريمة الأكحلي وهبة المقطري، وغيرهما، للاعتداء والضرب المبرح أثناء مسيرة احتجاجية خرجت من الجامعة. هبة سبق أن تعرضت لاعتداء لفظي قبل شهور من الحوثيون أثناء توليهم إدارة أمن الحرم الجامعي، إذ طلب منها الاحتشام في ملابسها و”ارتداء بالطو وعدم لبس سروال جينز”.

10947329_828587853900587_328041296010890271_n
حوثي يشهر السلاح الابيض في وجه متظاهرين 2015 (وكالات)

لا تنتهي أوجه التشابه بين يناير 2011 ويناير 2015م، بدء باستحضار النزعات المناطقية والجهوية ووصم الاحتجاجات بأنها مظاهرات (اللغالغة) وهي وصف تحقيري يُطلق على أبناء المناطق الوسطى (تعز وإب)، وليس انتهاء بالعنف اللفظي والجسدي، واتهام الطالبات المشاركات بالاحتجاج بالتخلع، والفحش، وأنهن “عاهرات” حسبما ذكرت إحدى المحتجات في جلسة استماع عقدتها نقابة الصحفيين اليمنيين في 23 يناير بصنعاء.

حتى أماكن الاعتقال نفسها. في يناير 2011 تم اقتياد 13 شاباً من المحتجيّن واحتجازهم لـ24 ساعة في قسم شرطة الجديري القريب من جامعة صنعاء، ولم يتم الإفراج عنهم إلا بعد وقفة احتجاج نظمها ناشطون أمام قسم الشرطة. في يناير 2015م أيضاً تم اقتياد 17 شاباً من طلاب الجامعة المحتجّين واحتجازهم لـ9 ساعات في نفس قسم الشرطة، ولم يتم إطلاق سراحهم، ياللمفارقة، إلا بعد احتشاد صحفيون وناشطون ووقوفهم أمام بوابة القسم لساعات. في الحالتين طُلب من المحتجين المحتجزين التوقيع على تعهد خطّي بعدم الخروج في مظاهرات احتجاجية “تزعزع الأمن العام وتضرّ بالوطن”.

APTOPIX Mideast Yemen
أنصار صالح بالهروات والأسلحة البيضاء 2011م (نت)

غير إن نسخة يناير 2015م تبدو أكثر شناعة مقارنتها بنسخة يناير 2011م. كانت أعمال الاعتقال وإجراءات التحقيق مع المتظاهرين في يناير 2011م يتولاها ضباط شرطة ومباحث مهنيون ومتدرجون في سلك الوظيفة الحكومية، بينما تولى الإشراف على هذه الأعمال في يناير 2015م عناصر مليشياوية أقل انضباطاً وأكثر تفلتاً وخشونة لكونها طارئة على الأجهزة الأمني ممن تم تجنيدهم بعد سقوط صنعاء في سبتمبر 2014 من قبل مدير أمن العاصمة لمسئول المحسوب على جماعة الحوثي ضمن إجراءات “ملشنة” الدولة في الجهاز المدني والعسكري. يبدو ذلك جلياً من خلال شهادات المحتجزين وطرق التعامل معهم. إذ حرموا من حقّ السجين في دخول الحمّام ودورة المياه، الأمر الذي لم يتعرض له المحتجون الشباب لا في سجون الرئيس السابق، ولا سجون الجنرال المنشق علي محسن قائد الفرقة أولى مدرع سابقاً المحسوب على الإخوان.

مسلح حوثي يطلق النار على مظاهرة في الحديدة
مسلح حوثي يطلق النار على مظاهرة بالحديدة

وفي حين اقتصرت أماكن الاحتجاز والاعتقال في يناير 2011 على أقسام الشرطة والأمن القومي ومؤسسات وجهات حكومية فقد تعددت أماكن الاحتجاز حسب إفادة العديد من المحتجين في جلسة الاستمتاع بنقابة الصحفيين، إلى جانب أقسام الشرطة، تحول مقر الفرقة أولى مدرع إلى معتقل كبير، وإلى جانب المكتب السياسي للجماعة، تم تحويل بناية كبيرة في قلب العاصمة كان يحمل اسم فندق هيلتون، سلسلة الفنادق العالمية، إلى مقر للجان الشعبية ومعتقل سري.

An anti-government protester gestures after he was injured during clashes with government backers in Sanaa
شاب جريح في مظاهرات 2011

وبينما اقتصرت التهم الموجهة للمحتجين والطلاب أنهم “عملاء” و”خونة” و”ثوار القوارير”، فإن الحوثيين أضافوا إلى جانب ما سبق تهمة جديدة لا يتورع الحوثيون عن إطلاقها على كل من يعارضهم أو ينتقدهم: “داعشي” الانتماء لتنظيم الدولة الإسلامية داعش أو القاعدة، وهذا المخيف: فرغم حماسة وزخم احتجاجات 2011م إلا أنها لم تخرج من دائرة الصراع السياسي، بينما هو اليوم بنكهة طائفية ومذهبية، مما قد يفضي إلى جولة جديدة من “الحروب الدينية” التي يشهدها العراق وسوريا.

كان النظام السابق يرسل “بلطجيته” حاملين اللافتات المؤيدة، والهراوات و”الجنابي” (خناجر)، على أنهم متظاهرون مؤيدون للشرعية، سرعان ما يشتبكوا بالمتظاهرين، في حين ابتكر الحوثيون أدوات قمع وترهيب إضافية بدءً بإغلاق جميع المداخل المؤدية إلى جامعة صنعاء، وليس انتهاء بتعمّد تصوير وجه المتظاهرين عن قرب وتعبقهم إلى منازلهم. والأسوأ التشديد الحاصل على كل حامل كاميرا أو موبايل، ومصادرة واعتقال كل من يشتبه أنه يصوّر بهاتفه المحمول أو يبلغ، حتى وإن لم يكن يفعل، ومصادرة جميع هواتف في معظم خلال مسيرات الأسابيع الماضية.

وعلى الرغم من كون المظاهرات الطلابية لم تطالب برحيل عبد الملك الحوثي من الحياة السياسية مقارنة بشعارات ومطالب يناير 2011م، واقتصرت على إدانة الانقلاب، والمطالبة بسحب المليشيات من المدن، حسبما نص اتفاق السلم والشراكة الذي وقعه الحوثيون برعاية أممية، إلا أن احتجاجات 2015 قمعت بشكل أقسى من احتجاجات 2011م.

ويروي الشاب عمر الباقري، وهو أحد جرحى ثورة 2011م ومعتقلي 2015م، أنه احتجز لـ48 ساعة في زنزانة تابعة لإدارة المباحث الجنائية، وأنه تفاجئ بوجود 36 معتقل في العنبر الذي احتجز فيه، جميعهم أودعوا بأوامر من اللجان الشعبية للحوثي، أحدهم سائق دراجة نارية تجاوز نقطة تفتيش للحوثي دون قصد فاعتقل منذ شهرين فلا وجهت له تهم ولا أحيل إلى النيابة. الأمر الذي يسري على العشرات من المعتقلين.

في السابق كانت المنظمات الحقوقية إثر كل انتهاك أو اعتقال تهرع لمقابلة وزير الداخلية، أو مدير الأمن القومي، وكبار مسئولي الدولة، الأمر المتعذر الآن. إلى جانب كونه خارج القانون، ويتم من قبل مليشيا مسلحة ليس لها أي صفة قانونية، فإنه تزامن مع فراغ السلطة منذ استقالة الحكومة والرئيس هادي الذي يخضع للإقامة الجبرية هو وكافة أعضاء الحكومة الممنوعين من مغادرة منازلهم المحاصرة باللجان الشعبية.

بين يناير 2011 ويناير 2015 يطل شبح حرب أهلية تم احتواؤها، أو بالأحرى تأجيلها، في الأولى، وانفلاتها في الثانية. وجل ما يخشاه اليمنيون الآن هو تزايد العمليات الإرهابية والسيارات المفخخة، وحروب المساجد والأضرحة، وانتقال “فرانكشتاين#” من شوارع بغداد إلى صنعاء.

نشر في يومية الشارع

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.