كيف هزم الجيش اليمني نفسياً قبل محاصرة صنعاء؟

لا أسخف من خطاب أولئك اللذين يتحدثون عن سلمية احتجاجات الحوثيين، بعد كل هذا القتال، سوى أولئك الذين يحاولون إعفاء الرئيس هادي والحكومة، وقيادة أحزاب المشترك، من المسئولية وتوجيه الإتهامات إلى الرئيس السابق علي عبدالله صالح، واختلاق “نغمة” عدم انصياع قادة الجيش لأوامر الرئيس هادي وولائهم لصالح ونجله أحمد.
أصلا كل نكبات المراحل الانتقالية سببها شماعة النظام السابق، وإعفاء القائمين على السلطة من مسئولياتهم، وهل يعتبر صاحب عقل الرئيس هادي ومستشاره علي محسن وبيت الأحمر نظاما جديدا حتى يصح الحديث عن نظامين: سابق وحالي؟  كلهم من نفس العجينة.
وحتى في حالة ثبوت وصحة مزاعم تؤاطو الرئيس صالح مع الحوثيين فان ذلك إنما هو دليل إضافي على فشلكم في إدارة المرحلة الانتقالية.

a-20140819-210429
صورة للرئيس هادي في العاصمة في وضعها الطبيعي (انترنت)

من الذي عمل على تفكيك الحرس الجمهوري، بدلا عن الاكتفاء بعزل وإقالة قياداته إلى درجة أشعرت الجندي في الحرس أنه مستهدف، وموضع تهمة وشك من قبل النظام وقيادته أكثر من استهدافه من القاعدة ؟
أليس الرئيس هادي وحكومته ووزير الدفاع والاصلاح ؟
من الذي حل ألوية المشاة الجبلي وكانت بمثابة النخبة في الجيش ؟
عندما جاء الفريق الأردني العسكري في 2009م بعد هزائم حروب صعدة لدراسة ومحاولة إصلاح الجيش من الداخل اكتشف فريق الخبراء الأردني أن الجيش اليمني يستورد أسلحة لا تتناسب مع طبيعته الجغرافية وحاجته بسبب صفقات الفساد وتحالف الحكم. من جملة ذلك أن وزارة الدفاع تستورد دبابات وأسلحة ثقيلة لا تصلح ولا تكون ذات جدوى إلا في محافظتين فقط هما: الجوف وحضرموت.
ولأن كل حروب اليمن وبخاصة صعدة حرب جبلية وحرب عصابات ومدن، تم تصميم ألوية المشاة الجبلي الثلاثة ضمن قوات الحرس الجمهوري لهذه الغاية بالاساس: حرب العصابات والجبال، بإشراف من قائد القوات الخاصة الأردنية جمال الشوابكة وأركان حربها محمد المقابلة وقائد الحرس أحمد علي حسبما تظهر وثائق سرية لوزارة الدفاع لم أنشرها بعد ضمن ما نشرت من تحقيقات سابقة حول الجيش.
كانت هذه الألوية الوحيدة في الجيش اليمني التي ليس لديها لا دبابات ولا مدرعات. إنها وحدات نوعية استغنت عن السلاح الثقيل وبدلا عنه تم العمل والاشتغال على الجندي وتزويده بمنظار ليلي، وأجهزة تشويش وتعقب وتدريبهم على اقتحام المباني وحروب العصابات وقتال الشوارع ومظلات والتحام وصاعقة وفنون قتالية عديدة وحديثة.
ما الذي فعلته هيكلة الجيش بهذه الألوية الجبلية؟
لقد دمرتها الهيكلة التي طبل لها وتغاضى عن أخطائها الجميع السلطة الانتقالية وحلفاؤها، والمبعوث الأممي وقادة المشترك ومؤتمر الحوار.
كان يرد على كل صوت ناقد بالتخوين والسب والقول العبيط “أنتم تخدمون عفاش والنظام السابق!
يللبجاحة !
بدلا من الحفاظ على هذه المؤسسة والبناء عليها قاموا بالانتقام منها بذريعة أن ولاءها للنظام السابق وهم كلهم أصلا من أردأ منتجات النظام السابق (أعني وزير الدفاع وعلي محسن والبقية).
ماذا فعلت الهيكلة؟
نقلت لوائين جبلين إلى الصحراء (مأرب) والبحر (شبوة) وهما النقيض من تصميمهما الجبلي، الذي كان مفترضا أن يحلا في حرف سفيان حسبما أوصى الفريق الأردني في 2010 واعترض الجنرال علي محسن.
وعلى الرغم من أن هذين اللوائين من دون مدرعات ولا دبابات ونقلهما للصحراء التي تغوص فيها العربات أصلا قرار خاطئ وانتقامي، نجح اللواء الأول بحسم المعارك ضد تنظيم القاعدة في حرب أبين الأولى، بينما سيطر الثاني وحده على مأرب ومنع دخول المسلحين، وفرض هيبة الدولة في مأرب كما لم تفرض في صنعاء ولا تعز ولا عدن الآن.
بعد شهرين من الأزمة قررت السلطة الانتقالية ووزير الدفاع تصفية وحل هذا اللواء وتفريقه بين الجيش؟
لقد تعرض الجندي اليمني خلال الثلاث السنوات الماضية لهزائم نفسية تفوق هزائم صعدة وكسر من الداخل.
كيف تتوقعون نفسية الجندي اليمني وهو يرى مليشيات الحوثيين تسقط لواء عسكريا في عمران وتقتل قائده، وتنهب سلاحه رغم الاتفاق ثم فجأة يذهب الرئيس هادي لمباركة ذلك ويتحدث عن وصول الدولة أخيرا لعمران؟
هل تعتقدون أن أحد من الجنود أو القادة قد يقف بعد ذلك في مواجهة الحوثي؟
محال.
حتى جنود التلفزيون والفضائية الذين لم يجدوا التعزيز الكافي ثم انسحبوا، أو جنود النجدة أو الجنود بشملان كلهم إنما فعلوا ما فعلوا لأنهم لا يريدون أن يكونوا “قشيبي آخر” ببساطة بعيدا عن نظريات المؤامرة السخيفة.
من الذي أصدر أحكاما عسكرية بالحبس، لتسع سنوات بحق بعض جنود وضباط الحرس الجمهوري وفي الوقت نفسه لم تتجاوز الأحكام ضد الخلية الإرهابية المتورطة في مذبحة السبعين أربع وخمس سنوات حبس؟
من الذي رفض الانصياع إلى قرارات الهيكلة رغم أنها كانت في معظمها لصالحه؟ أليس الجنرال علي محسن وتحالفه. بالمقابل سلم أحمد علي كل ما تحت يديه من قوة عسكرية ضاربة كان بمقدوره.
نفس الإخفاق على الصعيد الاقنصادي.
أقدمت الحكومة على رفع الموازنة 4 مليار دولار ولم يصغ الرئيس ولا طاقمه ولا الحكومة لكل النصائح وكل التحذيرات من عواقب سوء السياسة المالية، وصفقات شراء الطاقة التي ضاعفت عجز الموازنة وضاعفت من فاتورة دعم المشتقات النفطية وكانت النتيجة منح جماعة الحوثي الذريعة المثالية للتصعيد بمطلب شعبي يحظى بتأييد واسع.
إن ما نعيشه الآن من أوضاع جحيمية وحالة حرب سببه أنتم فكونوا عند المسئولية وتحملوا وزر سوء إدارتكم وتنحوا. وأي اتفاق لا يؤسس للدعوة القريبة لانتخابات شاملة في البلد إنما هو تأجيل للحرب ومشكلة إضافية ستتفجر وتصيب اليمنيين شظاياها لاحقا.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.