عن تناقضات الإنسان العربي (الهويات القاتلة مجدداً)

كيف يستطيع شخص طائفي ومذهبي متعصب في بلده وحياته وطريقة تفكيره أن يكون إنساناً، أكثر نبلاً وتسامحاً وأقل عصبية، ولو لأيام أو ساعات أو لحظات إشراق عابرة عند تلقيه وتفاعله مع قضايا وأحداث وقعت في مكان ما من العالم كأزمة اللجوء إلى أوربا، كما حدث مؤخراً وبدا جلياً على صفحات التواصل الاجتماعي؟

11885283_456151587889409_6908452961233495252_n
إيلان الطفل السوري (وكالات)

بمعنى كيف لشخص تعاطف مع نازحيين سورين ومقدونيين ماتوا اختناقاً داخل حافلة نمساوية على نحو إنساني مجرد لكونه لا يعرفهم، وليسوا من أقاربه، ولا قبيلته، ولا مذهبه، وربما ليسوا من نفس ديانته، بينما هو في بلده لا يتعاطف، ولا يتحمس إلا لضحية من نفس مذهبه، أو جماعته؟ مشاعره مخصخصة في خدمة الجماعة أو الحزب وإن شئت قل التحالف أيضاً، ونزوعه الإنساني يتجلى إما كأداة لاستثمار مظلمة وإما كوسيلة لإدانة الآخر، بالحق أو الباطل.

 

يمكن إيراد بعض الأمثلة التقريبية كأسئلة إضافية:

يمني يحمل رفيقا أصيب في القصف الذي تشنه ميليشيات الحوثي على تعز الفرنسية
شاب يحمل رفيقاً له أصيب بقذائف الحوثيين العشوائية على مدينة تعز (الفرنسية)

كيف لشخص بكى بحرقةٍ وتفجّع عند رؤية جثة الطفل السوري إيلان مرمية على ساحل بحر إيجة، وما أكثرهم في اليمن والعالم العربي ككل، دون أن تستفز مشاعره ويؤثر فيه موت مئات الأطفال منذ اندلاع الحرب في اليمن ولو بدرجة أقل ونبرة حزن أخفض؟

إيلان وأسرته حاولوا النجاة على الأقل. قرروا النزوح مدركين المخاطر فكانوا ضحية جملة من العوامل المعقدة: (الحرب، فرار المهرب، الطبيعة وهيجان البحر، المخاطرة).

بالمقابل: كم من أطفال اليمن، أو بلد آخر كسوريا أو العراق، ماتوا وهم في منازلهم حتى فلا ركبوا البحر، ولا خاطروا، ولا طمحوا في حياة أفضل من التي لديهم، مؤثرين السلامة على المخاطرة، وجحيم البقاء في “الوطن” على “نعيم” اللجوء؟

 

يمنياً: كم واحداً منا كان إنساناً بحق في تلقيه لحادثة غرق الطفل إيلان في حين لم يضطرب وجدانه عندما قتلت قذائف الحوثيين والقوات الموالية لصالح 16 طفلاً في يوم واحد بمدينة تعز؟

وفي عدن أحالت قذيفة عشوائية نجل الدكتور أمين الكوشاب واثنين من أطفال خورمكسر إلى أشلاء من أمام منزلهم في غمضة عين!

لماذا تستثار المشاعر هناك وتقمع هنا؟

أليس الإنسان هو الإنسان؟

سناء البدوي طالبةٌ في الصف التاسع بمدرسة خولة للبنات كانت تستعدّ لإختبارات الأسبوع الثاني على ضوء الشموع
سناء البدوي طالبة بصف تاسعة كانت تستعد للامتحانات وصورة البناية التي تقطنها وقصفها طيران التحالف بصنعاء

لكن هذه نصف الحقيقة فقط.

كم واحداً منا، على الضفة الأخرى، كان إنساناً بحق في تلقيه لحادثة غرق الطفل إيلان، في حين لم يشعر بالتعاطف والحزن لمقتل سناء البدوي طالبة الصف التاسع إثر قصف طيران التحالف منزلها في جولة الرويشان؟ بل ليته سكت. ذلك أن البعض ألزم نفسه مهمة تنظيف القذارة وتبرير وإنكار كل جريمة أو غارة “خاطئة”؟ والقائمة تطول. 7 مِن أفراد اُسرة عبد المجيد الفضلي (الأم والأبناء والحفيدة) قتلتهم بوحشيّة غارة على حي النهضة بمدينة صنعاء أمس الأول، واصغر الضحايا طفلة في الثانية من عمرها (هويدا).

عربياً: كم رجل دين مسلم جن وثارت ثائرته بسبب مشهد ضرب شرطة إحدى الدول الأوروبية كالمجر مثلاً للاجئين على حدودهم، بينما ضميره في إجازة، والأقليات تشرد وتذبح على يد داعش، والمعارضون والصحفيون يرمون في السجون ومعتقلات الأنظمة القمعية كنظام بشار في سوريا أو عبد الملك الحوثي هنا أو سلوك السلطة العسكرية في مصر؟ وقبل أيام سمعت أحد المحللين السياسيين الخليجيين البارزين ينتقد سلوك دول الاتحاد الأوروبي اللإنساني مع اللاجئين السورين متغاضياً عن دور دول الخليج نفسها في تغذية وتمويل الاقتتال في سوريا، كطرف أساسي في الصراع، من دون مد يد العون في الجانب الإنسانية.

أبصر العود الصغير ولم ير الغابة!
كيف يمسي أحدنا كونياً ويصبح سلالياً إذن؟

كيف يؤمن بغاندي ويترحم على أدولف هتلر أيضاً؟

كيف يتخلى عن إنسانيته لصالح الوحش المسيطر داخله؟

كيف يكون يسارياً ولا يفكر بمليوني عامل باليومية قطعت الحرب أرزاقهم؟

كيف يحب ويتغنى ويصادر الإمام علي كرجل مبدأ بينما هو في سلوكه ليس سوى نسخة مكرورة من أي انتهازي ووصولي وميكافيلي سعى إلى الحكم في كل مراحل التاريخ؟

 

كيف؟ كيف؟

كأني بالبردوني يهاتفني الآن: “ومن جلدها تهرب الأجوبة”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.